أهلاً بك, ضيف! التسجيل RSS

بوابة المخطط العمراني

الثلاثاء, 25 يونيو 17
الرئيسية » مقالات » مقالات منشورة عربيا

قبل مئة عام

هواة جمع التحف والقطع القديمة يمتلكون الكثير من القطع التي مر عليها أكثر من نصف قرن من الزمان، وبعض هذه القطع ضمن مقتنيات عائلية حافظ عليها أفراد الأسرة جيلا بعد جيل حتى وصلت إلى يومنا هذا، أشياء مثل الأواني والصحون والصناديق الخشبية وقطع السجاد..الخ، استطاع الجهد الفردي أن ينقذها ويحافظ عليها وينقل جزءاً من التاريخ إلى أبناء اليوم، ولكن هؤلاء الأبناء يلتفتون في فضاء مدنهم بحثا عن قطع عمرانية مر عليها أكثر من ربع قرن، فلا يجدون إلا القليل، الجهد المبذول في المحافظة على التاريخ عبر موجوداته من العمران ضعيف جدا للأسف، على الرغم من وجود جهد متميز في المحافظة على مبان كثيرة في الدولة، ولكنه لا يرقى إلى ما يطمح إليه إنسان هذا المكان المتعب من التغيرات الهائلة التي تأخذه في دوامتها منذ عقود، والباحث عن جزء من طمأنينته في مبانٍ ألفها منذ صغره.

أظن أننا نستطيع تقديم الكثير في هذا المجال، فقط لو أبدينا اهتماماً بالمحافظة على الحي القديم في كل منطقة، بعض هذه الأحياء لا يزال موجودا، يطل علينا من بين جنبات الأحياء والمباني الحديثة، ويلوح لنا بشارة النجاة أملاً في إنقاذه، قد تكون هذه الشارة بارجيلا أو بابا خشبيا عتيقاً أو نافذة من الطراز القديم، مناظر تصادفنا فجأة ونحن نسير في شوارع مدننا لتذكرنا بما ينبغي عمله.

تجربة حي البستكية الجميل، الذي أصبح معلما من معالم مدينة دبي، يجب أن يكون حافزاً لنا على تكرار أعمال مشابهة في مناطق أخرى من البلاد، لا يهم عمر الحي، وليس من الضروري أن يكون من مرحلة ما قبل الاتحاد أو قبل استخراج النفط، فكل عقد من السنين يمر علينا في هذه البقعة من العالم له بصمته العمرانية المميزة التي ينبغي الحفاظ عليها، وهناك أحياء مهيأة للتحول إلى أماكن تاريخية وسياحية جميلة على الرغم من قصر عمرها الزمني، وهو قصر نسبي كما نعلم، فبينما يعتبر المبنى المشاد في ثلاثينات القرن الماضي في مدينة كباريس مبنى حديثا، فإن مبنى مشاداً هنا في ثمانينات القرن الماضي يعتبر مبنى قديما، له علينا واجب النظر بعين الرعاية والاهتمام.

دائماً تصادفك عبارات مثل التكاليف المادية، ورغبات الملاك، وتفضيل التأجير، وذلك عندما تطرح موضوعا كهذا، وأظن أن كل ذلك يمكن تجاوزه وحله بشيء من التخطيط والتوجيه السليم، وتقديم دراسات الجدوى التي تبين العائد الاقتصادي المتوقع من وجود حي تاريخي قديم يرتاده الناس من مقيمين وسواح إلى الملاك، ففي كل مكان يظل للحي القديم جاذبيته ومكانته وقيمته الاقتصادية.

ولن أنسى أبداً ما قالته لي سيدة اسبانية ذات سفر، إذ قالت : مدنكم غريبة، ليس فيها مركز كما هو الحال عندنا، ولا حي قديم ولا ساحات للتجمع والاحتفالات، أخذت أشرح لها الاختلاف بين هنا وهناك، ووضحت لها تأثير الطقس الحار على هندسة مدننا، وذكرتها بجمال العمارة الحديثة والأسواق الراقية وهو ما جعل الكثير من عجبها يزول، ولكنها ظلت واقفة عند بعض النقاط التي لا تجد لها مبررا، ومنها إهمال القديم.

ينظر أطفالنا اليوم إلى صور المدن العريقة قبل مئة عام في الانترنت، فلا يجدون اختلافا عما هي عليه اليوم إلا في الأزياء ووسيلة المواصلات، فلا يكادون يصدقون أعينهم، وقد يصرخ أحدهم : لا شك أنها خدعة بالفوتوشوب، لم يحدث أن رأيت مبنى في بلادي فضلا عن حي كامل لا يزال كما هو منذ أيام جدي، فكيف بمدينة كاملة ؟ لا تزال ساحاتها ومعالمها الرئيسية هي نفسها منذ أجيال؟



المصدر: http://www.albayan.ae/opinions/orbit/2011-07-16-1.1472808
الفئة: مقالات منشورة عربيا | أضاف: urbanplanner (11 يوليو 22) | الكاتب: عائشة محمد الشيخ E
مشاهده: 749 | وسمات: مقالات ، عمرانية ، عربية | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0
الاسم *:
Email:
كود *: