الرئيسية » مقالات » مقالات منشورة عربيا |
فاقد الشيء لا يعطيه
مباشرة بعد تدشين خط لا يتعدى 7 كيلومتر من تراموي العاصمة، حاول البعض
إيهام الناس أنهم لن يكونوا بحاجة إلى سياراتهم، فتبين فيما بعد أن الأمر
لا يتعدى أن يكون مجرد كلام ليس إلا، ثم أعيدت صياغة نفس العبارات بعد فتح
خط بأقل عن 10 كلم لميترو الجزائر بعد ثلاثين سنة من الأشغال، وتعاقب أجيال
عليه. وبعد أن تبددت أفراح اللحظة، بدا واضحا اليوم بأن التخلي عن السيارة
في العاصمة لن يكون غدا، بل لن يكون على المدى القريب، وأن معاناة المواطن
مع وسائل النقل ستستمر إلى غاية 2014 على أقل تقدير. فغياب التخطيط
والفوضى التي تعتري أول قطاع عرف التحرير، يجعلان اليوم من خط ميترو على
امتداد 5,9 كلم عديم الجدوى، بعد أن تضاعف عدد السكان خمس إلى ست مرات،
وتغيرت معالم العاصمة من خلال فوضى العمران، إلى أن أضحت بفعل أريفة المدن
عبارة عن أكوام لا متناهية من الإسمنت المسلح دون أي تمييز أو تصميم.
والنتيجة أن تدارك التأخر المتراكم أضحى شبه مستحيل، خاصة وأن التأخر لا يزال قائما حتى في المشاريع التي شرع فيها، على شاكلة خط الحراش الذي يمتد على 9,3 كلم، ويسلم في غضون 2013 أي بعد قرابة 5 سنوات، وخط ساحة الشهداء الذي يمتد على 7,1 كلم، وسينتظره الجزائريون إلى غاية .2015 وبمنطق الأمور، فإن هاتين الوسيلتين لن تقدما الشيء الكثير، ولا يجب أن يتوهم الكثير بأن الأوضاع ستتغير قريبا، خاصة وأن الذهنيات السائدة منذ عقود في قطاع النقل لا تزال راسخة. فالشاب الجزائري الذي يريد أن يقوم بنشاط تجاري اقتصادي مجبر، دون أن يدري لماذا، بأن يوفر ''رخصة مجاهد'' ليصبح من ممارسي نشاط سيارات الأجرة، فلماذا التمييز بين جزائريين؟ ولماذا يفرض على جزائري سنة 2011، بعد قرابة خمسين سنة من الاستقلال، وفي وقت أضحى فيه أكثـر من 85 بالمائة من السكان يقل أعمارهم عن 40 سنة، أن يأتي برخصة مجاهد لممارسة نشاط اقتصادي وتجاري؟ وهل هانت قيمة المجاهد إلى حد يختزل جهاده في وثيقة يتاجر بها بمقابل مادي؟ ولماذا تكرس عقلية الإداري البيروقراطي البالية على نشاطات يفترض أنها أضحت محررة وغير خاضعة إلا لاعتبارات اقتصادية؟ والنتيجة أن آلاف الملفات ظلت مكدسة لسنوات بدعوى أن النقل متوفر، وأن هذا النشاط يعاني ''التخمة''. وفي الواقع كرس ميترو وتراموي الجزائر التناقضات الكبيرة التي يعايشها الجزائريون يوميا.. حافلات على شكل علب سردين تسير على طرقات مهترئة في مدينة يفترض أن تكون من أكبر العواصم في جنوب المتوسط، ولكنها، بسبب سوء التدبير والتخطيط، أصبحت من أسوئها، ومن المدن التي لا يطاق العيش فيها، تنعدم فيها النشاطات وتعاني من اختناقات وتلوث، وطرقها مهترئة. وحينما نعجز عن تعبيد طريق ورص أرصفة، فكيف لنا أن نسيّر بشرا، وأن نقيم مدنا، ونبني عمرانا يبقى شاهدا على عبقرية الشعوب؟! وكما قيل أدل شيء على غزارة العقل حسن التدبير، أو كما قال المتنبي: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال لقد نجح الفرنسيون والبريطانيين في تشغيل قطار تحت المانش على طول حوالي 50 كلم في ظرف أقل من 5 سنوات، أما أهرامات الجيزة فإنها شيدت وفقا للمعطيات المقدمة من قبل المؤرخ مانيتون وهيرودوت في فترة تعادل حوالي 20 سنة. وكما قال الحكماء إن أصحاب البصيرة يدركون ما لايدركه المبصرون، أو كما قيل مصيبة أن تدرس بلا تفكير، ومصيبة أكبر أن تفكر بلا دراسة. المصدر: http://www.elkhabar.com/ar/autres/un_avis/270253.html | |
مشاهده: 671
| وسمات: |
مجموع المقالات: 0 | |