أهلاً بك, ضيف! التسجيل RSS

بوابة المخطط العمراني

الأحد, 25 ديسمبر 21
الرئيسية » مقالات » مقالات منشورة محليا

"جدة" بين الأنين والابتهاج
الأزمات في أحايين كثيرة تكشف ضَعْف أو سوء التخطيط؛ فمثلاً مدينة جدة كنا نباهي بها، ونعتبرها في مصاف المدن المتحضرة عالمياً، وصدّقنا العبارة الشعرية الشهيرة "جدة غير"، وما كنا نعلم أن هناك مدناً قريبة من حدودنا الجغرافية تسارعت فيها حركة التطور، في غضون سنوات قلائل؛ ليصبح بينها وبين جدة بون شاسع، ومسافة حضارية واسعة، كمدينة دبي الإماراتية، ذات الوجه الحضاري؛ حيث لفتت انتباه المتخصصين في جغرافية المدن؛ ما جعلها وجهة سياحية لطلاب السفر وعشاق السياحة.. فما الذي جعل جدة تتباطأ؟ التباطؤ ليس في التزايد السكاني أو حتى العمراني بل في المستوى التخطيطي!! في الوقت الذي يرتفع فيه سقف التخطيط في مدن مجاورة لنا. وربما أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه النتيجة الوخيمة هو الفساد الإداري والمالي، الذي دعا الكثيرين إلى المطالبة بقطع دابره، ومعاقبة كل المتسببين في تعطيل عجلة التطوير؛ لأنهم - بحسب المفاهيم الدينية والإنسانية - جناةٌ، لا يستحقون العطف أو التسامح أبداً.

فالمساحيق والماكياج غير كافيين لتزيين جدة ومنحها دفقة جمال، ما لم تكن جميلة من الداخل، ظاهراً وباطناً، شكلاً ومضموناً، البنية التحتية والمظهر الخارجي؛ على اعتبار أن المساحيق سريعة الزوال، عديمة الفائدة؛ فأقل "غشقة" مطر تكشف السوءات وتفضح الممارسات، وهذا الذي حدث، وأضحى الكثيرون مندهشين؛ إذ كانوا تحت إبرة تخدير العبارة اللدنة البراقة "جدة غير".

ولما كانت جدة تحاول أن تستعيد شيئاً من جمالياتها؛ على اعتبار أنها واجهة حضارية مهمة للوطن؛ بحُكْم استقبالها مئات الآلاف من الزوار والحجاج والمعتمرين وغيرهم سنوياً؛ حيث يستقبل مطارها أعداداً كبيرة على مدار العام، وتزداد الذروة في موسم الحج، فمن الضرورة بمكان كشف عورات التخطيط وبجاحة الفساد.
نعود مرة ثانية إلى أهمية الأزمات كي نستيقظ ونصحح الكثير من الأخطاء؛ علّها لا تحدث مرة أخرى.

والإشكالية لا تتوقف عند الترقيع وسد ثغرات سوء التخطيط؛ لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التشوهات، ويُسبِّب أيضاً دمامة لوجه المدينة. الإشكالية الكبرى - في نظري - الإجابة عن السؤال المهم: هل يمكن إعادة صياغة تخطيط المدينة؟ علماً بأن ذلك سيؤدي إلى تكاليف ضخمة، كان يُفترض الاستفادة منها في استمرارية التطوير؛ ففي هذه الحالة لا مناص من البحث عن موقع بديل لإنشاء مدينة عصرية، مع مراعاة أخطار ومفاجآت الطبيعية كالسيول والزلازل وغيرهما.

للمدن أرواح؛ فهي تفرح وتحزن، تئن وتبتهج.. ولا أدري عن جدة بعد تلك الكارثة التي حلَّت بها، هل تبتئس لحظها العاثر؟ لكونها وقعت بين مخالب الفساد التي لم ترحمها، ولم تستشعر عظم المسؤولية؟.. وإن كنا نلمس حالياً الجهود الكبيرة التي تُبذل من قِبل أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل؛ من أجل تحقيق ألق ووهج هذه المدينة؛ لتصبح عمّا قريب مدينة عصرية، يليق بها أن تكون المحطة الأولى للقادمين إلى السعودية عبر مطارها أو مينائها البحري، ولكون المدينة أيضاً تحمل اسماً جميلاً وشفافاً "عروس البحر الأحمر" فهل تكتسب جدة التاريخ جمالاً حقيقياً غير مزيف بمساحيق وماكياج قابلة للزوال السريع؟ ننتظر ساعات الابتهاج.


المصدر: http://sabq.org/sabq/user/articles.do?id=889
الفئة: مقالات منشورة محليا | أضاف: urbanplanner (11 ديسمبر 16) | الكاتب: جمعان الكرت
مشاهده: 674 | وسمات: ادارة عمرانية | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0
الاسم *:
Email:
كود *: